غينيا بيساو على صفيح ساخن.. الجنرال هورتا نتام رئيسًا انتقاليًا بعد انقلاب جديد يعيد البلاد إلى دوامة العسكر
عادت غينيا بيساو إلى واجهة الأحداث الدولية بعد انقلاب عسكري جديد أطاح بعملية انتخابية كانت البلاد تنتظر نتائجها بشغف. وفي مشهد متكرر يعكس هشاشة المؤسسات في الدولة، أعلن العسكريون الذين نفذوا الانقلاب تعيين الجنرال هورتا نتام رئيسًا انتقاليًا للبلاد وقائدًا أعلى للقوات المسلحة لمدة عام كامل.
أداء اليمين وسط حصار أمني مشدد
وخلال مؤتمر صحفي عقد في مقر رئاسة الأركان، أدى الجنرال هورتا نتام اليمين الدستورية قائلًا:
"عُيّنت للتو لأكون على رأس القيادة العليا."
ووفق وكالة “فرانس برس”، شهد مقر القيادة العسكرية إجراءات أمنية غير مسبوقة، شملت نشر وحدات خاصة وإغلاق محيط المبنى بالكامل، في إشارة واضحة إلى أن المجلس العسكري يسعى لترسيخ قبضته سريعًا ومنع أي محاولات مضادة.
فتح الحدود ورسالة تهدئة شكلية
وأعلن الجنرال لاسانا مانسالي، المفتش العام للقوات المسلحة، إعادة فتح جميع حدود البلاد بعد ساعات من الإغلاق الكامل الذي رافق ساعة الصفر للانقلاب.
وقال مانسالي:
"كل الحدود مفتوحة الآن."
لكن محللين اعتبروا أن هذه الخطوة لا تعكس تهدئة حقيقية، بل محاولة لإظهار سيطرة كاملة على البلاد أمام المجتمع الدولي.
ECOWAS تُدين وتُحذر
المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي خاضت مواجهات دبلوماسية حادة ضد الانقلابات المتسلسلة في الساحل، سارعت إلى إدانة ما جرى في غينيا بيساو، معتبرة الانقلاب:
-
انتهاكًا صارخًا للنظام الدستوري
-
تهديدًا لاستقرار المنطقة برمتها
وأكدت في بيان رسمي أنها تتابع الوضع عن كثب، وأنها “لن تتسامح مع مزيد من الانقلابات” في منطقة تغرق أصلًا في موجة اضطرابات غير مسبوقة.
تفاصيل الانقلاب: السيطرة التامة وتعليق نتائج الانتخابات

وكانت غينيا بيساو قد شهدت انتخابات رئاسية وتشريعية الأحد الماضي، في بلد اعتاد الانقسامات السياسية الحادة والاتهامات المتبادلة بين الأحزاب، قبل أن يعلن العسكريون الأربعاء:
-
السيطرة الكاملة على البلاد
-
توقيف الرئيس
-
تعليق العملية الانتخابية
وبهذا دخلت البلاد فصلاً جديدًا من الفوضى السياسية التي باتت ملازمة لها منذ عقود.
تاريخ ثقيل من الانقلابات

منذ استقلال غينيا بيساو عام 1973، عرفت البلاد:
-
أكثر من 10 انقلابات وعمليات تمرد
-
انهيارات حكومية متكررة
-
اغتيالات سياسية
-
صراعات مسلحة بين الجيش والأحزاب
وفي الانتخابات السابقة عام 2019، ظلت البلاد 6 أشهر في أزمة سياسية بعد أن أعلن كل من عمر سيسوكو إمبالو وخصمه بيريرا الفوز بالرئاسة، في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ الدولة.
أفقر دول العالم.. والبنية الهشة تُغري العسكر
تصنَّف غينيا بيساو ضمن أفقر 15 دولة في العالم، حيث يعيش 40% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد معظمهم على الزراعة التقليدية وصيد الأسماك.
هذا الضعف الاقتصادي، إلى جانب الانقسام السياسي والتدخلات الخارجية، جعل البلاد أرضًا خصبة للانقلابات.
دولة تحولت إلى بوابة عالمية لتهريب المخدرات
خلال العقدين الماضيين، تحولت غينيا بيساو إلى مركز إستراتيجي لتهريب الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أوروبا. وتسيطر شبكات دولية على تجارة المخدرات عبر:
-
شراء ولاءات ضباط في الجيش
-
استغلال السواحل المفتوحة
-
استثمار الفساد المنتشر في المؤسسات
ويعتقد مراقبون أن جزءًا من الصراع الحالي يرتبط بشكل مباشر بإعادة توزيع النفوذ بين شبكات سياسية وعسكرية مرتبطة بتهريب المخدرات، ما يجعل أي انقلاب في البلاد ليس فقط حدثًا سياسيًا، بل صراعًا على “الاقتصاد غير الشرعي” الذي يشكل موردًا خفيًا للدولة.
إلى أين تتجه غينيا بيساو؟
المشهد اليوم يحمل عدة احتمالات:
-
تركيز السلطة بيد العسكر لمدة أطول من عام كما حدث في انقلابات مماثلة في مالي وبوركينا فاسو وغينيا.
-
تدخل إيكواس عبر عقوبات أو ضغوط لإعادة المسار الدستوري.
-
إعادة ترتيب النفوذ داخل المؤسسة العسكرية نفسها، ما قد يقود إلى مزيد من الصراع الداخلي.
لكن المؤكد أن البلاد أمام اختبار حقيقي، وأن استقرارها بات بعيدًا أكثر من أي وقت مضى.





