هل يمكن فرض الهدنة في السودان بالقوة؟.. الرباعية الدولية تلوّح بالتدخل والحكومة تقدم رؤيتها لإنهاء النزاع
تشهد الأزمة السودانية تطورا جاء ذلك بعد أن قامت الحكومة السودانية بتسليم رؤيتها الرسمية بشأن الهدنة الإنسانية المقترحة إلى مجموعة “الرباعية الدولية” (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، وإثيوبيا)، في ظل تصاعد الحديث عن إمكانية فرض وقف إطلاق النار بالقوة إذا فشلت الأطراف المتحاربة في الالتزام بالمسار الدبلوماسي.
تطرح هذه التطورات تساؤلات جدّية حول مدى واقعية فرض الهدنة بالقوة، وفرص نجاحها على الأرض في ظل الانقسام الميداني والاشتباكات المتواصلة منذ أكثر من عامين.
الحكومة السودانية تقدم رؤيتها.. والرباعية تلوّح بالتصعيد
كشف مصدر حكومي رفيع لوكالات الأنباء أن الخرطوم سلّمت بالفعل وثيقة رسمية إلى “الرباعية الدولية” تتضمن رؤيتها لتثبيت هدنة إنسانية تتيح وصول المساعدات ووقف الهجمات ضد المدنيين.
وتعمل اللجنة الدولية من العاصمة المصرية القاهرة لمتابعة التنسيق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومحاولة تهيئة بيئة تفاوضية شاملة.

غير أن دبلوماسيًا غربيًا مطلعًا على الملف أوضح أن “الرباعية لم ترفض المقترح السوداني، لكنها لا تزال متمسكة بالمبادرة الأصلية التي أطلقتها واشنطن، وتستعد لخطوات ميدانية عملية لفرضها إذا استمر تدهور الوضع الإنساني.”
هذه التصريحات تفتح الباب أمام مرحلة ضغط دولي غير مسبوقة، إذ بدأت تتردد أوساط دبلوماسية غربية تتحدث صراحة عن “هدنة مفروضة بالقوة”، بما يشمل استخدام طائرات مراقبة، وفرض مناطق حظر جوي محدودة، ونشر مراقبين إقليميين بإشراف الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.
ميدان متفجر وصراعات بالوكالة
في الوقت ذاته، لا تزال المعارك على الأرض مستعرة، خصوصًا في مدينة الفاشر وولاية شمال كردفان.
حيث نفت منصة “القدرات العسكرية السودانية” التابعة للجيش ما وصفته بادعاءات “النصر الميداني” لقوات الدعم السريع في الفاشر، مؤكدة أن ما حدث هو “نصر بالوكالة” نفذه مرتزقة أجانب.
وأشارت المنصة إلى مشاركة عناصر من كولومبيا وأوكرانيا في تشغيل الطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، إلى جانب مرتزقة من إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي والنيجر وجنوب السودان شاركوا في القتال المباشر داخل المدينة.
واعتبر الجيش أن هذه المشاركة دليل على تحول النزاع في السودان إلى حرب إقليمية بالوكالة، تُستخدم فيها الميليشيات والمرتزقة كأدوات لتغذية الصراع وإطالة أمده.
في المقابل، أكد المتحدث باسم حكومة شمال كردفان، عبد المطلب عبد العال، أن الهجمات على مدينة الأبيض لن تنجح في كسر صمود الجيش، قائلاً:
“الأبيض ستظل عصية على الدعم السريع، والنصر قريب بإذن الله.”
فرض الهدنة بالقوة.. خيار محفوف بالمخاطر

رغم تصاعد الضغوط الدولية، يرى محللون أن فرض هدنة بالقوة في السودان ليس أمرًا بسيطًا أو مضمون النتائج، نظرًا لتداخل القوى الإقليمية وتعدد مراكز القرار داخل طرفي النزاع.
ويرى المراقبون أن أي تدخل عسكري مباشر لفرض الهدنة قد يفتح الباب أمام صدام دولي جديد في القارة الإفريقية، خاصة مع وجود قوى كبرى مثل روسيا والإمارات وتركيا ذات مصالح متشابكة في الداخل السوداني.
ويؤكد الخبراء أن البديل الأكثر واقعية هو توسيع إطار المفاوضات، وفرض رقابة دولية صارمة على الالتزامات الإنسانية، إلى جانب دعم جهود الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد لتثبيت وقف النار تدريجيًا قبل التفكير في أي تدخل ميداني مباشر.
هدنة على الورق أم سلام بالقوة؟
ما بين الرؤية الحكومية السودانية، وضغوط “الرباعية” الدولية، يبقى السؤال الأهم:
هل يمكن فعلاً فرض هدنة بالقوة في بلدٍ بحجم السودان تتداخل فيه الجغرافيا القبلية والسياسية والعسكرية إلى هذا الحد؟
الجواب حتى اللحظة يبدو معلقًا بين الإرادة الدولية والواقع الميداني المعقد، حيث تظل فرص الهدنة قائمة نظريًا، لكن تحقيقها على الأرض مرهون بإرادة الأطراف المحلية وقدرة المجتمع الدولي على كبح الطموحات المتصارعة.





