رئيس مجلس النواب: لم أكن أبدًا أبحث عن منصب أو وجاهة.. بل رسالة أؤديها بإخلاص

في ختام الجلسة العامة التي شهدت الموافقة النهائية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ألقى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، كلمة مؤثرة قال فيها:
"ونحن نطوي اليوم صفحة من صفحات العمل البرلماني الزاخر بالجهد والإخلاص، لا يسعني إلا أن أقف بينكم موقف من يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الناس، ومن يتأمل طريقه بعد أن قارب على بلوغ آخره."
عبّر جبالي في كلمته عن عُمق المسؤولية التي يتحملها البرلمان في خدمة الوطن، مؤكدًا أن كل خطوة يُتخذها في مسيرة التشريع تُقاس بمعايير الأمانة والعدل والشفافية، داعيًا الجميع إلى الاستمرار في العمل بضمير يقظ وإخلاص لا ينضب.
رئيس مجلس النواب: لم أكن أبدًا أبحث عن منصب أو وجاهة.. بل رسالة أؤديها بإخلاص
وتابع : لقد شاء الله أن أعيش ما يناهز نصف قرنٍ بين جنبات القانون؛ أتنفس من نصوصه روح العدل، وأستضيء بأحكامه طريق الحكمة، حتى غدا العدل عندي عبادةً تُؤدَّى، وضميرًا يُراقب الله قبل أن يُراقب الناس. ولقد قُدِّر لي أن أتنقّل في مناصب عدّة، من قاضٍ في محراب المحكمة الدستورية العليا إلى رئيسٍ لها، ثم إلى هذا المقام الكريم على رأس مجلس النواب،
وأضاف لم أكن يومًا أسعى إلى وجاهةٍ أو منصب، بل إلى رسالةٍ أؤديها وأمانةٍ أحمِلها، مؤمنًا أن المناصب ظلٌّ زائل، مضيفا وأن البقاء هو لما يُكتب في سجلّ العمل الصادق.
وأكد أن خدمة الوطن شرفٌ لا يدركه إلا من خدمه بقلبٍ نقيٍّ ونيةٍ خالصةٍ وبصيرةٍ تعرف أن الطريق إلى الله يبدأ من إتقان العمل وإخلاص النية. وما كان لخطاي أن تثبت على هذا الطريق لولا أن أحاطني الله ببطانةٍ صالحةٍ؛ كانوا لي عونًا في الشدائد، وشركاء في المسؤولية، يَسْتَظِلّون بالمصلحة العامة، لا بالمصالح الشخصية، ويُوازنون بين الواجب والضمير بميزانٍ لا يميل ولا يجور.
واستطرد: لقد كان هذا المجلس بالنسبة لي بيتًا للضمير الوطني، ومحرابًا للعقل، وميدانًا تتلاقى فيه الإرادات على اختلافها، لكنّها تتوحّد عند عتبة الوطن. لقد وجدت في أعضائه ـ معارضةً وأغلبيةً ومستقلين ـ خلية عملٍ لا تهدأ، اجتهد فيها الجميع بصدقٍ وإخلاص، فكانت المناقشات ثرية، والحوارات بنّاءة، والنتائج ثمرةَ وعيٍ وتجردٍ وإيمانٍ بالوطن.
أشهد أن وكيلي المجلس كانا خيرَ عونٍ وسندٍ في إدارة أعمال المجلس، لقد عملا بإخلاصٍ وتفانٍ، مضيفا كان حضورهما ركنًا من أركان انتظام العمل النيابي، ومشاركتهما في إدارة الجلسات وضبط مداولاتها نموذجًا يُحتذى في الانضباط المؤسسي والأداء الرفيع؛ فلهما خالص الشكر وعظيم الامتنان على ما قدّماه من جهدٍ صادق.
ولا يفوتني أن أتوجَّه بخالص التقدير إلى المستشار الأمين العام للمجلس، على ما بذله، وبكل إخلاص، من جهود متميزة، و كذا على حرصه الدائم على الارتقاء بمنظومة العمل المؤسسي، وإلى جواره يقف العاملون بالأمانة العامة، العصب النابض لهذا الكيان العظيم، فبجهودهم الصادقة وعطائهم اللامحدود، يترسخ دوما النجاح لهذه المؤسسة التشريعية العريقة.
الإخوة والأخوات نواب شعب مصر ؛
وقاب اليوم... وأنا أتهيأ لأن أضع القلم الذي خدمت به الدستور والقانون، وأشارف على مغادرة هذا المقام الذي تشرفت به، لا أحمل في قلبي إلا الامتنان والسكينة؛ امتنانًا لله أولًا أن بلّغني هذه المرحلة من العمر في خدمة الحق والعدل، وسكينةً لأنني أترك مكاني وقد بذلت ما استطعت، موقنًا أن الله وحده يعلم السرائر، ويزن الأعمال بميزانٍ لا يضلّ ولا يظلم.
وتابع أوصيكم زملائي الكرام أن تجعلوا الوطن دائمًا نصب أعينكم؛ واعلموا أن المسؤولية العامة ليست ترفًا يُتزيَّن به، بل عبءٌ يُحمَل، وأن الكلمة في موضع التشريع قد تُقيم وطنًا أو تُسقطه، وأن العدالة التي لا تنبع من الضمير لا تُثمر، ولو أُلبست أثوابًا من القانون.
ختامًا؛ أسأل الله أن يحفظ مصر من كل سوء، وأن يوفق من يتولى من بعدنا إلى ما فيه الخير والصواب، وأن يجعل على الدوام راية العدل مرفوعة فوق هذه القاعة، وسراج الضمير منيرا في كل قلبٍ يخدم هذا الوطن.
وأرجو من الله أن تكون كلمتي هذه خاتمةَ رحلةٍ،
وبدايةَ عهدٍ جديد، وأن يجعل لي فيكم ذكرًا طيبًا، وأن يكتب لنا جميعًا أن نكون من الذين قال جلَّ وعلا فيهم:
(الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).صدق الله العظيم