إسرائيل تشعل المنطقة قبل أن تهدأ.. غارات ليلية تضرب لبنان وتدمر منشآت مدنية في صيدا والمصيلح

في مشهدٍ يعيد أجواء الحرب إلى المنطقة قبل أن يهدأ غبار غزة، شنت إسرائيل غارات جوية ليلية عنيفة على جنوب لبنان، استهدفت مواقع مدنية وصناعية في منطقتي المصيلح وصيدا، ما أدى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى وتدمير واسع للمنشآت.
التحرك العسكري المفاجئ أثار موجة غضب رسمية وشعبية في لبنان، فيما اعتبر مراقبون أن تل أبيب تسعى لإشعال جبهة جديدة قبيل تثبيت الهدوء الذي فرضه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
الرئيس اللبناني: عدوان سافر يستهدف المدنيين دون ذريعة
ندّد الرئيس اللبناني جوزيف عون في بيان شديد اللهجة بما وصفه بـ"العدوان الإسرائيلي السافر على منشآت مدنية في الجنوب"، مشيرًا إلى أن الطيران الإسرائيلي قصف مناطق آهلة بالسكان دون أي مبرر قانوني أو عسكري.
وقال عون:
"مرة أخرى يقع جنوب لبنان تحت نار العدوان الإسرائيلي بلا حجة ولا حتى ذريعة. خطورة هذا العدوان أنه يأتي بعد اتفاق وقف الحرب في غزة، وكأن هناك من يسعى لتعويض خسائره هناك بإشعال لبنان".
وأضاف الرئيس اللبناني أن التوقيت يثير تساؤلات عن نوايا إسرائيل في إشعال الجبهة الشمالية، محذرًا من أن استمرار الاعتداءات قد يؤدي إلى انهيار الهدوء النسبي الذي تعيشه المنطقة منذ أسابيع.
ليلة من النار.. 10 غارات إسرائيلية في قلب الجنوب
وفقًا للوكالة الوطنية للإعلام، نفّذت الطائرات الإسرائيلية عشر غارات متتالية على منطقة المصيلح قرب مدينة صيدا، مستهدفة ستة معارض لآليات وجرافات ما أدى إلى تدمير العشرات منها واحتراقها بالكامل.
وأكدت وزارة الصحة اللبنانية مقتل مواطن سوري الجنسية وإصابة سبعة أشخاص آخرين، بينهم سيدتان لبنانيتان، فيما شوهدت ألسنة اللهب تتصاعد لساعات في سماء المدينة.
وأشار مراسلون ميدانيون إلى أن الغارات تسببت في أضرار هائلة بالبنية التحتية، حيث تناثر الزجاج والمعدن المحترق على مساحات واسعة، وسط حالة من الهلع بين السكان الذين وصفوا المشهد بأنه "أشبه بليلة حرب جديدة".
الجيش الإسرائيلي يبرر الغارات: استهدفنا بنى تحتية لحزب الله
وفي المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف "بنى تحتية تابعة لحزب الله تُستخدم لتخزين معدات هندسية"، زاعمًا أن هذه المعدات تُوظّف في "إعادة بناء منشآت عسكرية تابعة للحزب في الجنوب".
وجاء في البيان:
"حزب الله يواصل استخدام المدنيين دروعًا بشرية، ويعرض حياة المواطنين اللبنانيين للخطر من خلال إعادة بناء بنيته الإرهابية".
لكن مراقبين اعتبروا أن توقيت الهجوم، بعد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، يعكس محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق وإعادة التوتر إلى الواجهة في المنطقة.
من غزة إلى لبنان.. تل أبيب تنقل المعركة شمالًا
يرى محللون أن الغارات الأخيرة تمثل تطورًا خطيرًا في السياسة الإسرائيلية، إذ تسعى تل أبيب – بحسب المراقبين – إلى نقل الضغط العسكري من غزة إلى لبنان لإبقاء المواجهة مشتعلة في المنطقة.
ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل تخشى فقدان نفوذها بعد اتفاق غزة، فتلجأ إلى التصعيد على جبهة حزب الله لإعادة ضبط ميزان القوة وإرسال رسالة ردع إلى إيران والفصائل الفلسطينية.
خسائر حزب الله واستمرار الخروقات
تأتي هذه التطورات بعد مرور نحو عام على الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله التي اندلعت في سبتمبر 2024، وتكبد فيها الحزب خسائر كبيرة شملت مقتل أمينه العام السابق حسن نصر الله وخلفه هاشم صفي الدين.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي برعاية أمريكية وفرنسية، والذي نص على انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، ما زالت إسرائيل تحتفظ بخمس تلال داخل الأراضي اللبنانية وتواصل خرق الأجواء اللبنانية بشكل متكرر.
الحكومة اللبنانية طالبت المجتمع الدولي مجددًا بالضغط على إسرائيل لاحترام التزاماتها، مشيرة إلى أن استمرار هذه الانتهاكات يُعد نسفًا مباشرًا للاتفاق وتهديدًا للاستقرار الإقليمي.
إسرائيل تُشعل المنطقة لتفادي السلام
يؤكد خبراء في الشأن الإقليمي أن إسرائيل لا ترغب في تهدئة شاملة، بل في إدارة صراعات متعددة الجبهات تضمن بقاءها في موقع الفاعل العسكري الأول بالمنطقة.
ويرى البعض أن الغارات الليلية على لبنان تمثل رسالة ضغط مزدوجة:
-
الأولى إلى الولايات المتحدة بأن إسرائيل لا تقبل أي اتفاق يقلل من نفوذها الأمني.
-
والثانية إلى الفصائل الفلسطينية واللبنانية بأن تل أبيب ما زالت قادرة على التحرك بحرية رغم الهدنة.
ويضيف المحللون أن هذه الضربات تزيد من هشاشة الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة مع استمرار المفاوضات الحساسة في شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية.
إسرائيل اختارت أن تُشعل النار من جديد
بينما كانت المنطقة تتهيأ لالتقاط أنفاسها بعد عامين من الحرب، اختارت إسرائيل أن تُشعل النار من جديد.
فالجنوب اللبناني الذي شهد هدوءًا نسبيًا خلال الأشهر الماضية، استيقظ فجر الأربعاء على دوي انفجارات هزت صيدا والمصيلح، لتعود المخاوف من اتساع رقعة الصراع من جديد.
ويبقى السؤال الأهم:
هل تسعى إسرائيل إلى نسف الهدوء قبل أن يترسخ، أم أنها تحاول إعادة رسم قواعد الاشتباك على طريقتها قبل أن تُفرض عليها تسوية شاملة في غزة ولبنان؟