تخوّف داخل إسرائيل من إطلاق الأسرى الفلسطينيين.. مخاوف من إعادة بناء حماس وعودة قادة الصف الأول

حالة قلق داخل الحكومة الإسرائيلية
تشهد الحكومة الإسرائيلية حالة من القلق والانقسام الداخلي عقب التوصل إلى الاتفاق الذي يقضي بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ضمن المرحلة الأولى من صفقة إنهاء الحرب في قطاع غزة.
ففي الوقت الذي يُتوقع فيه الإفراج عن نحو 250 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالمؤبد، إلى جانب 1700 معتقل من سكان قطاع غزة تم احتجازهم بعد أحداث 7 أكتوبر، أعربت أوساط أمنية وعسكرية إسرائيلية عن خشيتها من عودة هؤلاء إلى صفوف حماس والمشاركة في إعادة بناء هيكلها التنظيمي والعسكري.
اعتراضات من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية
بحسب ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فقد اعترض عدد من المختصين في المؤسسة العسكرية على خطة الحكومة الإسرائيلية بترحيل الأسرى المفرج عنهم إلى قطاع غزة أو إلى الخارج، معتبرين أن هذا القرار قد يساهم في إعادة تأهيل البنية القيادية لحماس.
وأوصى هؤلاء الخبراء بإبقاء جزء من الأسرى في الضفة الغربية بدل ترحيلهم إلى الخارج، وذلك لتسهيل مراقبة تحركاتهم وإعادة اعتقالهم عند الضرورة في حال انخرطوا مجددًا في نشاطات معادية.
وأكد التقرير أن إطلاق سراح مئات الأسرى، بينهم قادة ميدانيون وشخصيات مؤثرة في حماس، قد يشكّل نقطة تحول استراتيجية في ميزان القوى داخل الحركة، خصوصًا بعد تدمير بنيتها العسكرية والسياسية خلال الحرب الأخيرة على غزة.
الجيش الإسرائيلي: لن نبقى على الأرض في غزة
ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إنه من غير المتوقع أن يبقى الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة في السنوات القادمة، مؤكدين أن أي وجود طويل الأمد سيكون مستنزفًا وغير قابل للاستمرار.
وأشارت المصادر إلى أن هذا الانسحاب المستقبلي المحتمل سيمنح الأسرى المفرج عنهم فرصة لإعادة ترميم حماس وملء الفراغ القيادي الذي خلّفته الحرب، مستشهدة بحالة القيادي يحيى السنوار الذي أُفرج عنه في صفقة شاليط عام 2011 قبل أن يصبح أحد أبرز قادة الحركة لاحقًا.
القلق من الترحيل إلى الخارج
وأضافت “يديعوت أحرونوت” أن هناك جدلاً حادًا داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن الوجهات التي سيُرحّل إليها الأسرى، إذ من المتوقع أن تستقبل كلٌّ من قطر وتركيا عددًا كبيرًا منهم، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى منحهم حماية سياسية وأمنية ضد أي محاولات إسرائيلية مستقبلية لتصفيتهم.
وأكد التقرير أن ترحيلهم إلى الخارج سيمنحهم حرية الحركة والتواصل مع قيادات حماس في المنفى، وربما يسهّل عملية إعادة تنظيم القيادة العليا للحركة أو حتى إنشاء قيادة موازية تعمل من الخارج.
اجتماع حكومي متوتر ومداولات صعبة
عُقد مساء الخميس اجتماع مطوّل لمجلس الوزراء الإسرائيلي بهدف التصويت على قرار الإفراج عن الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس.
ووفق ما ورد في مسودة الخطة التي نُشرت بالتزامن مع الاجتماع، فإن الحكومة ستوافق على إطلاق سراح 250 أسيرًا من ذوي الأحكام الطويلة، بالإضافة إلى 1700 أسير من غزة تم اعتقالهم خلال العمليات العسكرية الأخيرة.
ومن المقرر، عقب مصادقة الحكومة، نشر قائمة الأسماء للعامة كما جرت العادة في الاتفاقات السابقة، على أن تُنفّذ عملية الإفراج خلال 72 ساعة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
تحذيرات من خبراء ومحللين
يرى محللون عسكريون أن المخاوف الإسرائيلية من الصفقة ليست بلا مبرر، إذ أظهرت التجارب السابقة أن عددًا من المفرج عنهم عادوا لاحقًا إلى النشاط المسلح أو تولوا مناصب قيادية في الفصائل الفلسطينية.
ويشير الخبراء إلى أن صفقة شاليط عام 2011، التي أُفرج بموجبها عن أكثر من ألف أسير، مثّلت نقطة تحول لصالح حماس من الناحية المعنوية والتنظيمية، بعد أن ساهمت في بروز قيادات جديدة داخل الحركة، من بينهم يحيى السنوار نفسه.
قراءة استراتيجية
من جهة نظر أمنية، يعتبر بعض المسؤولين الإسرائيليين أن الصفقة الحالية هي ثمن ضروري لوقف الحرب واستعادة الرهائن الإسرائيليين، لكنها في المقابل تحمل مخاطر أمنية بعيدة المدى.
ففي حال عاد هؤلاء القادة إلى العمل التنظيمي والسياسي في غزة أو الخارج، فإنهم قد يسهمون في إعادة بناء حماس كقوة إقليمية، خصوصًا مع الدعم المالي والسياسي المتوقع من قطر وتركيا.
ما بعد الصفقة.. أسئلة مفتوحة
تبقى التساؤلات الكبرى مطروحة حول مستقبل الأوضاع في غزة بعد تنفيذ الصفقة:
-
هل ستلتزم حماس بالبنود الأمنية والسياسية المتفق عليها؟
-
وهل ستتمكن إسرائيل من مراقبة الأسرى المفرج عنهم ومنعهم من العودة للنشاط العسكري؟
-
أم أن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من إعادة التشكّل السياسي والعسكري في ظل غياب واضح للسيطرة الإسرائيلية المباشرة؟
بذرة لعودة حماس أقوى من السابق
الصفقة التي وصفتها واشنطن بأنها “خطوة تاريخية نحو السلام” ما زالت تثير جدلًا واسعًا داخل إسرائيل، بين مؤيد يرى فيها إنقاذًا للرّهائن وخطوة ضرورية نحو التهدئة، ومعارض يخشى أن تكون بذرة لعودة حماس أقوى من السابق.
وفي ظل انقسام الحكومة الإسرائيلية، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الصفقة ستفتح باب الاستقرار، أم أنها ستعيد إشعال فتيل صراع جديد بأسماء ووجوه قديمة.