بعد أن وضعت الحرب أوزارها في غزة.. أرقام الكارثة تكشف الحقيقة كاملة

حرب انتهت.. لكن الجرح باقٍ
انتهت أصوات القصف، وعمّ الهدوء النسبي شوارع غزة، لكن الأنقاض تتحدث بصوتٍ أعلىفما خلّفته الحرب لم يكن “نصرًا” كما يُروّج البعض، بل مأساة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ تحوّل القطاع إلى أرضٍ مدمّرة بالكامل، وأصبح سكانه بين قتيل وجريح ومشرّد ينتظر المساعدة للبقاء على قيد الحياة.
تقرير اليوم لا يحمل شعارات ولا تصريحات، بل يستند إلى أرقام دامغة صادرة عن وزارة الصحة في غزة ومنظمات الأمم المتحدة، وهي الأرقام التي تُظهر حجم الكارثة التي حلّت بشعبٍ أنهكته الحروب والحصار على مدى أكثر من 17 عامًا.
أكثر من 37 ألف قتيل.. والمأساة مستمرة
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد ضحايا الحرب تجاوز 37 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين والأطفال والنساء.
فقد استُهدفت المنازل والأسواق والمدارس ومخيمات النزوح، دون تمييز بين مقاتل ومدني.
وتصف الأمم المتحدة هذه الأرقام بأنها “غير مسبوقة في النزاعات الحديثة من حيث الكثافة والضحايا المدنيين”، فيما لا تزال فرق الإنقاذ تنتشل جثثًا من تحت الركام حتى بعد وقف إطلاق النار.
يقول أحد رجال الدفاع المدني:
"لم نعد نبحث عن أحياء، بل عن أجزاء بشرية يمكن التعرف عليها... غزة تحولت إلى مقبرة جماعية".
85 ألف جريح ومصاب.. إعاقات دائمة وصدمة نفسية
بلغ عدد المصابين في الحرب أكثر من 85 ألف شخص، كثير منهم فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بعاهات مستديمة بسبب الغارات الجوية والقصف العشوائي.
أما من نجا بجسده، فلم ينجُ بروحه، إذ يعاني عشرات الآلاف من اضطرابات نفسية حادة جراء مشاهد القتل والدمار التي عاشوها يوميًا.
تقول طبيبة في مجمع الشفاء الطبي:
"الأطفال هنا لا يبكون فقط من الألم، بل من الخوف الدائم... لا يعرفون ما هو الأمان بعد الآن."
70% من القطاع تحت الركام
تكشف التقارير الهندسية أن الدمار طال أكثر من 70% من مباني قطاع غزة، بما في ذلك أحياء كاملة في مدينة غزة وجباليا وخان يونس ورفح.
وفي بعض المناطق، لم يعد من الممكن التعرف على ملامح الشوارع أو أسماء الأحياء.
تقول الأمم المتحدة إن إعادة إعمار غزة ستتطلب عقودًا طويلة ومليارات الدولارات، فيما يفتقر القطاع الآن إلى المواد الأساسية للبناء بسبب الحصار المفروض.
انهيار المنظومة الصحية.. موت بطيء داخل المستشفيات
لم تسلم المستشفيات من القصف، حيث تم تدمير 24 مستشفى و80 مركزًا طبيًا بشكل كامل أو جزئي.
وباتت المستشفيات المتبقية تعمل بطاقة لا تتجاوز 10% من قدرتها الأصلية، دون كهرباء كافية أو وقود لتشغيل الأجهزة الحيوية.
الأطباء يعملون في ظروف مأساوية، وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
"أصبحت غرف العمليات تُضاء بالهواتف المحمولة... والممرضات يستخدمن الماء الملوث لغسل الجروح"، كما نقلت وكالة الأنباء الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
نزوح أكثر من مليوني إنسان.. خيام بلا ماء ولا كهرباء
تسببت الحرب في نزوح أكثر من مليوني مواطن داخل قطاع غزة، معظمهم يعيشون في خيام مؤقتة في مناطق الجنوب.
ولا تتوفر في تلك المخيمات مياه صالحة للشرب أو كهرباء أو صرف صحي، ما أدى إلى تفشي الأمراض الجلدية والمعدية، خاصة بين الأطفال.
في أحد المخيمات قرب رفح، يقول أحد النازحين:
"لم يعد لدينا بيت أو وطن... الخيمة أصبحت عنوان حياتنا، ننام على الرمل ونحلم فقط بوجبة طعام أو ساعة راحة."
التعليم مشلول.. والجامعات مدمّرة
لم تسلم المدارس والجامعات من القصف، إذ تم تدمير نحو 60 ألف منزل كليًا و150 ألفًا جزئيًا، إلى جانب توقف شبه كامل في العملية التعليمية.
تحولت المدارس إلى ملاجئ للنازحين، وفقد آلاف الطلاب مقاعدهم الدراسية إلى أجل غير مسمى.
يقول أحد أساتذة جامعة الأزهر في غزة:
"جيل كامل فقد حلمه بالتعليم... أطفالنا اليوم لا يحملون كتبًا بل يحملون ذكريات من تحت الركام."
انقطاع الكهرباء والمياه لأكثر من 200 يوم
منذ بداية الحرب، تعيش غزة في ظلامٍ دامس بعد انقطاع الكهرباء والمياه لأكثر من 200 يوم متتالية.
انهارت البنية التحتية بالكامل، وتعتمد العائلات على المولدات الصغيرة والطاقة الشمسية المحدودة لتأمين حاجاتها اليومية.
وأدى نقص المياه النظيفة إلى كارثة بيئية وصحية، حيث أصبحت مياه الصرف تختلط بمصادر الشرب، ما يهدد بانتشار الأوبئة في أي لحظة.
أرقام تحكي الوجع
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل قصص حياة لأناسٍ كانوا هنا ثم اختفوا.
هي وجوه أطفال ونساء وشيوخ، فقدوا كل شيء: البيت، الأسرة، الأمان، والحلم.
وفيما تتواصل التصريحات السياسية حول "الصمود" و"النصر"، يعيش سكان غزة واقعًا مختلفًا تمامًا — واقع الموت اليومي والمعاناة المستمرة، حيث لا يهمهم سوى النجاة والبقاء.
ما بعد الحرب
وضعت الحرب أوزارها، لكن الدمار لم ينتهِ، والوجع لا يزال يسكن كل زاوية في غزة.
تحتاج المدينة اليوم إلى أكثر من إعادة إعمار — تحتاج إلى إعادة إنسانية كاملة، تعيد للناس حقهم في الحياة والكرامة والأمل.
وإلى أن يتحقق ذلك، ستبقى غزة شاهدة على أكبر مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين، ومثالًا صارخًا على عجز العالم عن حماية الأبرياء من نار السياسة والحرب.