رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم.. فارس الحديث وشيخ البيان يغادر الدنيا بعد رحلة عمر في خدمة الأزهر والعلم والدعوة

ودّعت مصر والأمة الإسلامية أحد أبرز علمائها في العصر الحديث، العالم الأزهري الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد صراع مع المرض، ليترجل فارس المنبر والعلم، تاركًا خلفه سيرة عامرة بالعطاء والعلم والإيمان.
وشهدت الجامع الأزهر الشريف ظهر اليوم تشييع جنازته بحضور رسمي وشعبي واسع، تقدمه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وعدد من العلماء وطلاب الأزهر والمسؤولين، في وداعٍ مؤثر لعالم أفنى عمره في خدمة القرآن والسنة ونشر العلم والدعوة.
من هو الدكتور أحمد عمر هاشم؟
وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم في 6 فبراير 1941 بقرية العباسية – مركز جرجا بمحافظة سوهاج، ونشأ في بيئة أزهرية علمية حفظ فيها القرآن الكريم صغيرًا، وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961.
نال الإجازة العالمية عام 1967، ثم درجة الماجستير في الحديث وعلومه عام 1969، وواصل مسيرته العلمية حتى حصل على الدكتوراه في التخصص ذاته، ليصبح من أبرز أساتذة الحديث وعلومه في العالم الإسلامي.
مسيرة أكاديمية وعلمية مشرفة
تدرج الدكتور أحمد عمر هاشم في السلك الأكاديمي بجامعة الأزهر، فعُيّن معيدًا بقسم الحديث، ثم أستاذًا لعلوم الحديث عام 1983، وتولى عمادة كلية أصول الدين بفرع الزقازيق عام 1987، قبل أن يُعيّن رئيسًا لجامعة الأزهر عام 1995.
وخلال فترة رئاسته، ساهم في تطوير العملية التعليمية بالأزهر وافتتاح كليات جديدة، كما مثّل الجامعة في العديد من المؤتمرات الدولية.
مكانته الدينية ومناصبه بالأزهر الشريف
كان الراحل عضوًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمجلس الأعلى للطرق الصوفية ممثلًا للأزهر، كما شارك في المجلس الأعلى للجامعات والمجالس القومية المتخصصة.
امتاز بخطبه المؤثرة وبيانه القوي، ولقبّه البعض بـ “خطيب الأزهر الأول” و**“صوت العلماء في البرلمان”** نظرًا لمشاركاته البرلمانية والدعوية الواسعة.
نشاطه البرلماني ومشاركاته العامة
لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم عالمًا أكاديميًا فقط، بل كان صوتًا وطنيًا حاضرًا في الشأن العام، إذ شغل عضوية مجلس الشعب المصري بالتعيين في عدة دورات بين عامي 1988 و2005.
كما كان عضوًا بالمجلس الأعلى للصحافة، وعضوًا بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسًا للمركز العام لجمعيات الشبان المسلمين العالمية حتى عام 2005.
جوائز وتكريمات
نال الراحل العديد من الأوسمة والتقديرات، أبرزها:
-
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1992.
-
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
-
تكريمات من مؤسسات إسلامية داخل مصر وخارجها تقديرًا لإسهاماته العلمية والدعوية.
اللحظات الأخيرة قبل الرحيل
دخل الدكتور أحمد عمر هاشم خلال الأيام الماضية العناية المركزة بعد تدهور حالته الصحية، ودخل في غيبوبة كاملة استمرت لساعات قبل وفاته فجر الثلاثاء.
كانت أسرته قد ناشدت محبيه عبر صفحته الرسمية بالدعاء له قائلة:
“اللهم اشفِ عبدك أحمد عمر هاشم شفاءً لا يغادر سقمًا، واجعل ما أصابه كفارةً ورفعةً في الدرجات.”
وفي لمسة إنسانية مؤثرة، زار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب العالم الراحل في المستشفى قبل وفاته بيوم واحد، ودعا له بالشفاء، مؤكدًا أنه “أحد رموز الأزهر الذين رفعوا راية الوسطية والاعتدال”.
شيخ الأزهر ينعيه بكلمات مؤثرة
عقب إعلان الوفاة، أصدر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب بيان نعيٍ رسميًّا قال فيه:
“فقدت الأمة الإسلامية عالمًا جليلًا من علمائها الأعلام، وأحد كبار خدام السنة النبوية وعلوم الحديث الشريف، الذي أفنى عمره في خدمة العلم والدين.”
وأكد الإمام الأكبر أن خطبه ومحاضراته ومؤلفاته ستبقى مرجعًا لطلاب العلم والباحثين في علوم الحديث والدعوة، مشيرًا إلى أنه “كان عالمًا أزهريًا أصيلًا، جمع بين العلم والعمل، والبيان والفصاحة، والإخلاص في خدمة الدعوة”.
وتقدّم شيخ الأزهر بخالص العزاء إلى أسرة الفقيد وطلابه، سائلًا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
العطاء الأزهري الخالص
برحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، تطوي الأمة صفحة من صفحات العطاء الأزهري الخالص، وتفقد ركنًا من أركان علوم الحديث والدعوة الإسلامية، إذ جمع الراحل بين العلم والبلاغة والاعتدال، وبين المنبر والجامعة والمجتمع، فكان نموذجًا للعالم العامل.
رحل جسده، لكن صوته العذب وخطبه المؤثرة ومؤلفاته الخالدة ستظل تُذكّر الأجيال بأن العلم رسالة لا تموت، وأصحابها باقون بما تركوه من أثرٍ طيبٍ في الأرض والناس.