في ذكري النصر
عمرو البتانوني: قصة ”قاهر اليهود” وضابط الصاعقة الذي رحل بصمت

في هدوءٍ تام ودون ضجيج إعلامي رحل عن عالمنا الملازم الأول عمرو إبراهيم البتانوني، ضابط قوات خاصة بحرية مصرية ومن أبناء محافظة المنوفية. اسمه اختلط بالأساطير في أروقة القوات البحرية والذاكرة الشعبية؛ بطلٌ قيل عنه إنه صاحب أفعال جسّدت شجاعة النخبة المصرية في أصعب أوقات الصراع.
من هو عمرو البتانوني؟
ولد في إحدى قرى محافظة المنوفية، وتخرّج ليلتحق بقوات الصاعقة البحرية، حيث أثبت بسرعة أن له حضورًا لا يخطئه قائد ولا رفيق. ذاع صيته بين رفاق السلاح للياقة فوق العادة، حتى أن مجلة عسكرية أمريكية منحت وصفًا استثنائيًا لقوته البدنية، ما زاد من هالة الأسطورة المحيطة به بين المنتمين للمجال العسكري.
عمليات وجولات جريئة — روايات بطولية عبر البحار والصحارى
تتعدد الروايات عن عملياتٍ نفّذها البتانوني مع مجموعته، وتُروى عنه مواقف جريئة في مراحل متعاقبة من الصراع العربي–الإسرائيلي:
-
تُنقل عنه شائعة أنه قاد المجموعة التي استهدفت وغرقت السفينة الحربية "بيت شيفع" في المياه الإسرائيلية، عقب وصوله إلى ميناء إيلات في فجر الخامس من فبراير عام 1970، بعد رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر.
-
حسب الرواية المتناقلة، فجرَ البتانوني ومن معه آبار بترول في بلاعيم خلال حرب الاستنزاف، ثم أعاد تفجير عدد منها في حرب أكتوبر لمنع الوقود عن القوات المعادية.
-
في حرب أكتوبر 1973، تُذكر إسهماته في عمليات نوعية على قناة السويس، بينها تدمير أنابيب نابالم لأهدافٍ لوجستية تعدّ ضارة بالجهود القتالية للعدو.
نظراً إلى حساسية هذه العمليات وطبيعتها العسكرية، تُروى تفاصيلها اليوم على شكل شهادات من رفاق ومصادر عسكرية وشعبية، وتحمل في طياتها مزيجًا من الحقيقة والأسطورة التي تلازم أبطال الحروب في ذاكرة الأمة.
أسرار الاختفاء السياسي والإفراج عنه
تقول روايات متداولة إن البتانوني ورفاقه تعرضوا للاعتقال في إحدى الدول المجاورة بعد إحدى العمليات، وأن موقفًا رفيع المستوى — بحسب الحكاية — تدخل لحلّ الأزمة، حيث رُويت قصص عن ضغوط دبلوماسية لوقف معاملة قاسية وترك سبل العودة إلى البلاد. كما تضج ذاكرتنا بحكايات عن تدخل الزعماء آنذاك لتأمين الإفراج عنه، ما يعكس مكانته ومقدار ما مثّلته إنجازاته في حسابات القوى الإقليمية آنذاك.
بطل عاش بسيطًا ورحل بصمت
رغم كل ما رُوِي عن بطولاته، عاش الملازم أول عمرو البتانوني في سنواته الأخيرة بعيدًا عن الأضواء، بلا أضواء احتفالية أو تغطية إعلامية واسعة. رحيله العام الماضي مرّ في هدوء، تاركًا خلفه سجلاً من البطولات التي يرويها رفاق السلاح والجوارح الوطنية بطابع الأسطورة والوفاء.
التكريم الشعبي والذاكرة الوطنية
يسجل التاريخ — بغض النظر عن اختلاف الروايات في التفاصيل — تقدير شعبٍ لرجالٍ ضحّوا في سبيل الوطن. يبقى اسم البتانوني عند كثيرين رمزًا للشجاعة البحرية المصرية، وقصة حياته تُضاف إلى رصيدٍ طويل من قصص البطولة التي تُروى في المقاهي وفي أحاديث البيوت وبين جنود الصفوف الأولى.
خاتمة ورسالة للأجيال
رحل الملازم أول عمرو إبراهيم البتانوني، لكن تذكّر أمثاله والعمل على توثيق تجاربهم وإخراج الحكاية بصيغ تاريخية موضوعية واجب تجاه ذاكرة الوطن. تظلّ البطولات، بغض النظر عن شكلها، مادةً لدرسٍ واحد: أن الدفاع عن الوطن يُكتب بدماءٍ وتضحياتٍ كثيرة، وأن تقدير هذا الجهد ينبغي أن يجد مكانًا لائقًا في التاريخ والمؤسسات والمجتمع.