ماكرون يقدّم «خريطة طريق ثلاثية» لحل الصراع ويفتتح عهدَ اعتراف فرنسِيّ بدولة فلسطين

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع شبكة CBS عن مبادرة شاملة تهدف إلى الخروج من دوامة العنف في فلسطين وغزة، ووضَع إطارًا عمليًا من ثلاث مراحل اعتبرها السبيل الوحيد نحو حل سياسي دائم. وفي لفتة دبلوماسية لافتة، أكد ماكرون أن باريس ستعترف رسميًا بدولة فلسطين في 22 سبتمبر/أيلول مما يجعلها أول عضوة غربية دائمة في مجلس الأمن تتخذ هذه الخطوة، في مؤشر على تحول فرنسي واضح في الموقف الأوروبي إزاء الصراع.
ماكرون: الفشل العسكري وإصرارٌ على حل سياسي
هاجم ماكرون الأداء العسكري الإسرائيلي في شبكته مع حماس، قائلاً إن المواجهة المسلّحة وحدها لم تُفلح في تفكيك الحركة: «في بداية الحرب كان هناك نحو 25 ألف مقاتل من حماس وربما قتل الجيش الإسرائيلي نصفهم لكن حماس نجحت في تجنيد عدد مماثل»، مضيفًا أن هذا الواقع يبيّن أن الحرب الشاملة ليست الحل. من هنا ينبثق التشديد الفرنسي على ضرورة الانتقال إلى مسار سياسي يفضي إلى دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب.
ثلاث حزم متتابعة: الطوارئ واليوم التالي ومنظور الدولتين
قدّم ماكرون خطة مبنية على تسلسل وزمني واضح مكوّن من ثلاث «حزم»:
-
حزمة الطوارئ: تشمل وقفًا فوريًا لإطلاق النار، الإفراج عن جميع الرهائن، وإعادة فتح طرق إنسانية آمنة لتوصيل الإمدادات وإخراج الجرحى. هذه الخطوة الأولى تهدف لوقف نزيف الدم وخلق شروط استقرار نسبي.
-
حزمة «اليوم التالي»: مرحلة تنظيم إدارة غزة من حيث الحوكمة والأمن وآليات إعادة الإعمار، بما يسمح بتأسيس إدارة مدنية فعّالة تُنهي حالة الفراغ وتضمن وصول المساعدات والبنى الأساسية.
-
حزمة «منظور الدولتين»: العمل على إطار سياسي شامل يعترف بحق الفلسطينيين في الدولة والحدود والقدس وغيرها من قضايا الوضع النهائي، وهو ما يراه ماكرون الحلّ السياسي طويل الأمد.
ماكرون ربط عملية الاعتراف الفرنسية بدولة فلسطين بالمسعى إلى إنضاج حل سياسي قابل للحياة، معتبراً أن الاعتراف ليس لغرض رمزي محض إنما خطوة لإعادة الشرعية الدولية لمسار تفاوضي جديد.
الاستيطان وُصف بأنه «قاضي الإعدام» لحل الدولتين
وجه الرئيس الفرنسي انتقادات حادة لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، واعتبر استئناف ملف المستوطنات في الكنيست دليلاً على عدم جدية إسرائيل في معالجة جذور النزاع، ومؤشراً على أن التوسع الاستيطاني «يدمّر إمكانية قيام دولتين».
معارضة لخطط التهجير ورفض للتواطؤ الدولي
أبدى ماكرون معارضة قاطعة لأي خطة تفرض تهجيرًا جماعيًا للفلسطينيين من غزة، مؤكداً أنه لا يمكن أن يكون «اليوم التالي» ممكنًا إذا رُحّل آلاف البشر قسريًا. واعتبر أن المشاركة أو الصمت الدولي عن مشروع تهجير سيكونان شكلًا من أشكال الشراكة في كارثة إنسانية.
توتّرات دبلوماسية: انتقادات أميركية وردّ فرنسي
لم يخلُ قرار الاعتراف من مواقف نقدية خارجية، فقد وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو القرار بـ«المتهور» بحسب ما نقلت تصريحات متفرقة. في المقابل، شدّد ماكرون أن فرنسا ستعمل «بالتنسيق» مع الإدارة الأميركية ومع وسطاء آخرين، وأن هناك جهودًا من شخصيات متعددة تعمل على أن تصبح الخطة قابلة للتطبيق، مع إشارات إلى أعمال ديبلوماسيين ومستشارين عالميين.
ماذا يعني الاعتراف الفرنسي عمليًا؟
إعلان فرنسا عن اعتراف مسبق بتاريخ محدّد سيدفع بلا شك المسألة الفلسطينية إلى مقدّم الطاولة الدولية. الاعتراف يُكسب الفلسطينيين دعماً سياسياً وقانونياً سيسهّل عليهم التوجّه لمؤسسات دولية أو الضغط على أطراف دولية لدفع مسار تفاوضي جديد. لكنه أيضًا قد يزيد الاحتكاك مع إسرائيل ويزيد انعكاسات إقليمية ودبلوماسية، خصوصًا إذا لم تترافق الخطوة مع ضمانات عملية لوقف العنف وبدء حوار فوري.
محاولة فرنسية لتقديم بديل عن منطق الحرب
خطة ماكرون الثلاثية تمثّل محاولة فرنسية لتقديم بديل عن منطق الحرب، مبنية على تسلسل عملي يبدأ بوقف فوري للقتال وينتهي بمنظور سياسي قائم على قيام دولتين. إعلان باريس عن موعد الاعتراف بدولة فلسطين يضع مزيدًا من الضغوط الدولية على الأطراف كافة، ويُعيد الملف الفلسطيني إلى صدارة أولويات المجتمع الدولي، لكنّ نجاح الخطّة يتوقف على قدرتها على جمع تأييد دولي واسع، وضمان تنفيذ فوري لمرحلة الطوارئ التي تفتح نافذة للحلول اللاحقة.