الدعاية الانتخابية الرقمية لمرشحي مجلس النواب المصري عبر مواقع التواصل وتحولات ما بعد «اختفاء النواب» في الدورة المنتهية

مع اقتراب انتخابات مجلس النواب المصري 2025 تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة المعركة الأولى لحملات المرشحين إذ لم تعد المؤتمرات والجولات الميدانية وحدها كافية للوصول إلى الناخبين فانتقل الصراع إلى فضاء رقمي مفتوح تتجاور فيه الصفحات الرسمية مع المجموعات المحلية الشعبية وتختلط فيه الأخبار بالدعاية المدفوعة والرسائل المنظمة التي تقودها فرق إلكترونية احترافية تلعب دورا خلال المرحلة الأنتخابية وأحيانا تاتي بتيجة عكسية بسبب المبالغة المستفزة في الدعلية للمرشح
موجة دعاية مكثفة على الصفحات المحلية
يعتمد المرشحون على إنشاء صفحات رسمية تبث السير الذاتية والبرامج والوعود وصور الجولات الميدانية مع توظيف البث المباشر لخلق انطباع بالتواصل اللحظي مع الناس وتستفيد الحملات من الصفحات المحلية واسعة الانتشار داخل الدوائر لبث محتوى موجه منخفض التكلفة وعالي الوصول كما يجري تنسيق مجموعات واتساب وتليجرام لإعادة تدوير الرسائل نفسها على شرائح مختلفة من الجمهور ما يضاعف الظهور ويمنح المرشح إحساسًا بزخم رقمي سريع
سلاح ذو حدين بين الانتشار والشعبوية
هذا التحول الرقمي مكّن المرشحين محدودي الموارد من منافسة أصحاب اللافتات التقليدية لكنه فتح الباب أيضًا لمظاهر شعبوية واستعراضات استفزازية بحثًا عن الترند إذ تتغذى بعض الحملات على مشاهد مثيرة أو شعارات خفيفة تسعى لاصطياد الإعجابات متقدمة على مضمون السياسات والبرامج كما توسعت ظاهرة اللجان الإلكترونية التي تعيد نشر المحتوى وتهاجم المنافسين وتضخ شائعات أو تسريبات في لحظات حساسة بما يربك المتابع ويفقده الثقة
قصة «اختفاء النواب» في الدورة المنتهية وكيف توظفها الحملات
أحد الموضوعات الأكثر حضورًا في الخطاب الانتخابي الجديد هو قصة اختفاء عدد من النواب في الدورة المنتهية بعد الفوز إذ تراجع الظهور داخل الدوائر وقلّت اللقاءات المباشرة وضعفت المتابعة الخدمية وغاب بعضهم عن الفعاليات المجتمعية ما خلق شعورًا عامًا بأن التواصل كان موسميًا مرتبطًا فقط بمرحلة الاقتراع
هذا الفراغ ترك أثرًا مضاعفًا في وعي الناخبين الذين صاروا أكثر تشككًا في الخطاب الدعائي ودفَع المرشحين الجدد وبعض الساعين للتجديد إلى تقديم تعهدات محددة قابلة للقياس مثل جداول تواصل شهرية مكاتب متنقلة أيام استقبال ثابتة نشر تقارير أداء ربع سنوية بث جلسات دورية عبر فيسبوك لتلقي الأسئلة والرد عليها مباشرة
كما ظهرت صيغة اعتذارات علنية من نواب يسعون لإعادة الترشح يتحدثون فيها عن دروس التجربة الأولى ويعرضون خطط تصحيح بصيغة عقود التزام معلنة تشمل مؤشرات مثل الحضور تحت القبة عدد طلبات الإحاطة وقضايا الدائرة ذات الأولوية ومع ذلك يبقى الحكم للناس على صدقية هذه التعهدات وواقعية تحويلها إلى ممارسة مستدامة لا إلى موجة محتوى قبيل الصمت الانتخابي
كيف تغيّر «الاختفاء» من سلوك الناخب
أنتجت التجربة السابقة ثلاثة تحولات ملموسة
أولًا تحوّل النقاش الشعبي من الحديث عن الشخصيات إلى مساءلة الأداء والأثر
ثانيًا انتقال جزء معتبر من حسم القرار إلى المنصات الرقمية حيث يتابع الناخبون أرشيف المرشح لا منشوراته الأخيرة فحسب
ثالثًا تزايد طلب الناس على أدوات رقابية مجتمعية مثل لوحات متابعة عامة تنشر شهريًا تقدم الخدمات والوساطات الشرعية والمشروعات التي جرى تحريكها في الوزارات والهيئات
قوانين وضوابط الدعاية الإلكترونية
تفرض البيئة القانونية المصرية خطوطًا حاكمة للدعاية عبر الإنترنت فتمنع استخدام الخطاب الديني والطائفي والتحريض على الكراهية والتشهير وتجرّم نشر الشائعات المقصودة للتأثير على إرادة الناخب كما تحدد الهيئة الوطنية للانتخابات فترات الدعاية والصمت وتتيح توقيع غرامات وشطبًا في الحالات الجسيمة وتعمل لجان متابعة بالمحافظات على رصد المخالفات الرقمية خاصة الإعلانات غير المعلنة والتمويلات المموهة وانتحال الصفات على الصفحات المحلية
تكتيكات رقمية راشدة بدل الضجيج
في مواجهة السلوك الاستعراضي برزت مدارس أكثر انضباطًا تراهن على بناء الثقة على النحو الآتي
1 محتوى برامجي مختصر قائم على مشكلات محددة في الدائرة مع جداول زمنية للتنفيذ
2 إعلانات شفافة مميّزة بوسم ممول توضح الجهة الممولة ونطاق الاستهداف
3 قنوات تواصل مؤسسية بريد وخط ساخن ونماذج شكوى رقمية بدل الرسائل الخاصة العشوائية
4 شراكات مع مبادرات محلية غير حزبية في التعليم والصحة والطرق لتقليل فجوة الوعود
5 قياس رضا الجمهور ونشر النتائج بانتظام حتى لو كانت سلبية مع شرح خطط التصحيح
ما يجب أن ينتبه إليه الناخب
أمام سيل المنشورات ينصح المتابع الذكي بالتركيز على أربعة أسئلة محورية
هل يقدم المرشح رقمًا يمكن التحقق منه لا سيما في ملف الحضور والأداء السابق
هل يعلن مصادر تمويل حملته الرقمية وحجم إنفاقه
هل يتعامل باحترام مع المنافسين أم يبني حضوره على حملات تشويه
هل يملك فريقًا مجتمعيًا مستمرًا بعد الانتخابات أم أنها حملة موسمية ستختفي مع إعلان النتائج
بين التمثيل والخدمة والرقابة
جوهر العمل النيابي لا يتوقف عند الخدمات بل يمتد للتشريع والرقابة على الحكومة وتقييم السياسات العامة لذا تعمل بعض الحملات الجدية على ربط الوعود الخدمية بأدوات برلمانية محددة كطلبات الإحاطة لجلب الاعتمادات إعادة ترتيب أولويات الموازنات المحلية تعديل تشريعات تخص التراخيص والضرائب والاقتصاد المحلي حتى لا يختزل المقعد في دور وسيط خدمات
الدعاية الرقمية لن تعوّض نقص الحضور الحقيقي
صعود الدعاية الانتخابية الرقمية أعاد رسم قواعد اللعبة لكنها لن تعوّض نقص الحضور الحقيقي أو فراغ ما بعد الاختيار فدرس الدورة المنتهية واضح اختفاء النواب أخطر على الشرعية التمثيلية من أي منافسة محتدمة واستعادة الثقة تمر عبر التزام قابل للقياس ومسائلة عامة مستمرة ومحتوى رقمي محترم يضع البرنامج قبل الاستعراض ويعامل الناخب كشريك لا كرقم في عداد المشاهدات