لداخلية تكشف لغز جريمة دلجا
جريمة دلجا.. حين تتحول الغيرة إلى سم قاتل يهز المنيا

عاشقت قرية دلجا خلال الشهور الأربعة الماضية حالة من الرعب والخوف من انشار مرض قيل انه حصد ارواح أسرة بكاملها حتي تمكنت المباحث من كشف لغز الوفيات .. فلم تكن قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا تعلم أن هدوءها سيتحول في لحظة إلى مأساة إنسانية، ستبقى محفورة في ذاكرة الأهالي لسنوات طويلة. فالجريمة التي أودت بحياة ستة أطفال ووالدهم على يد زوجة الأب الثانية لم تكن مجرد واقعة عابرة، بل صدمة اجتماعية سلطت الضوء على الوجه القاتم للتفكك الأسري والغيرة العمياء.
خلفيات الواقعة.. زواج يعيد الشرارة
بدأت خيوط القصة قبل أشهر قليلة، حين قرر الأب نصر محمد (48 عامًا) إعادة زوجته الأولى إلى عصمته بعد فترة طلاق، في خطوة بدت عادية للكثيرين، لكنها أشعلت نيران الغيرة داخل قلب الزوجة الثانية.
هذه الأخيرة، التي كانت ترى نفسها السيدة الأولى في المنزل، شعرت بأن مكانتها تهتز وأن زوجها يعود تدريجيًا إلى زوجته السابقة وأبنائه الستة. ومع عودة المودة بين الأبناء ووالدتهم، بدأ الخوف يتملكها: الخوف من أن يهجرها الزوج، الخوف من أن تعود بلا قيمة أو مكان.
الغيرة تتحول إلى جريمة
بحسب اعترافاتها أمام جهات التحقيق، لم تستطع الزوجة الثانية مقاومة مشاعر الحقد التي تزايدت يومًا بعد يوم. وفي لحظة سيطر عليها الشيطان، خططت للتخلص من الجميع.
أحضرت مادة سامة مكوّنة من مبيد حشري، وخلطتها بالطعام الذي قدمته للأطفال ووالدهم. لم يدر في خلد الأب ولا الأبناء أن مائدة الطعام التي جمعتهم ستكون الأخيرة في حياتهم.
تفاصيل الحادث.. موت جماعي داخل بيت واحد
ما إن تناول الضحايا الخبز المسموم حتى ظهرت عليهم أعراض الإعياء: آلام حادة، تشنجات، فقدان وعي سريع. تم نقلهم إلى المستشفى في محاولة للإنقاذ، لكن النتيجة كانت مأساوية.
رحلت الطفلة ريم (10 أعوام) أولًا، ولحقتها شقيقها عمر (7 أعوام)، ثم توالى سقوط الضحايا: محمد (11 عامًا)، أحمد (5 أعوام)، رحمة (12 عامًا)، وفرحة (14 عامًا) التي لفظت أنفاسها الأخيرة بعد عشرة أيام كاملة من الصراع مع السم.
وفي النهاية، لحق بهم والدهم نصر محمد، ليغادروا جميعًا الحياة في مشهد أبكى القرية عن بكرة أبيها.
صدمة المجتمع.. أسئلة بلا إجابات
تحولت دلجا إلى ساحة عزاء ممتد، الكل يبكي والكل يتساءل: كيف يمكن للأمومة المزيفة أن تتحول إلى أداة قتل؟ وكيف وصلت الغيرة إلى أن تكون سببًا في إبادة أسرة كاملة؟
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة عدة جرائم مشابهة ارتكبتها زوجات آباء بدافع الغيرة أو الخلافات العائلية، لكنها هذه المرة كانت أشد قسوة لأنها أزهقت أرواح ستة أطفال أبرياء ووالدهم في لحظة واحدة.
البعد الاجتماعي.. الغيرة القاتلة وتفكك الأسرة
خبراء علم الاجتماع وعلم النفس يرون أن هذه الجريمة تعكس خطورة الصراعات الأسرية في المجتمعات الريفية والفقيرة، حيث تزداد حدة التوترات نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
الزوجة القاتلة لم تجد طريقًا للحوار أو المواجهة، فلجأت إلى العنف في أبشع صوره. إنها صورة قاتمة عن غياب ثقافة التسامح وافتقاد الحوار داخل البيت، وهو ما يحوّل المشاكل البسيطة إلى كوارث دموية.
تحرك أمني وقضائي
وزارة الداخلية المصرية أعلنت تفاصيل الواقعة بعد أيام من التحقيقات المكثفة، مؤكدة أن الزوجة الثانية هي المتورطة الرئيسية. وقد اعترفت بجريمتها كاملة، لتواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام شنقًا.
النيابة العامة بدورها تواصل التحقيقات لكشف جميع الملابسات، فيما يترقب الرأي العام صدور الحكم في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة.
جريمة تهز الضمير
جريمة دلجا ليست فقط قضية جنائية، بل ناقوس خطر يذكّر المجتمع كله بخطورة التفكك الأسري، والغيرة العمياء، وانعدام التواصل بين أفراد الأسرة. إنها صرخة تحذير بأن البيت حين يتحول إلى ساحة صراع، فإن أول الضحايا هم الأبرياء من الأطفال.