ذعر في أديس أبابا من تحركات مصر في القرن الأفريقي: القاهرة ترد بقوة على اتهامات إثيوبيا وتلوّح بكل السيناريوهات لحماية أمنها المائي
في مشهد يعكس حالة قلق وارتباك متصاعدة داخل أروقة النظام الحاكم في إثيوبيا، جاءت التصريحات المصرية الأخيرة لتكشف عمق الأزمة المرتبطة بسد النهضة، وتؤكد أن القاهرة لم تعد تتعامل مع الملف بوصفه خلافًا فنيًا محدودًا، بل كقضية أمن قومي وجودي تمتد أبعادها إلى كامل منطقة القرن الأفريقي.
ففي أول رد مصري رسمي ومباشر على البيان الإثيوبي شديد اللهجة الصادر مطلع ديسمبر، شنّ وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم هجومًا حادًا على أديس أبابا، داحضًا اتهاماتها لمصر باحتكار مياه النيل، وواصفًا الخطاب الإثيوبي بأنه محاولة مكشوفة للهروب من فشل إدارة وتشغيل سد النهضة.
رد مصري غير مسبوق يكشف ارتباك أديس أبابا
وصف وزير الري المصري البيان الإثيوبي بأنه:
-
يفتقر إلى الدقة،
-
يحتوي على مغالطات علمية جسيمة،
-
ويكرر أكاذيب سياسية باتت معروفة للرأي العام الدولي.
وأكد سويلم أن ادعاء احتكار مصر لمياه النيل ليس سوى ستار تستخدمه إثيوبيا للتغطية على:
-
فشلها في تقديم نموذج شفاف لإدارة السد،
-
غياب قواعد تشغيل واضحة خلال فترات الجفاف والفيضانات،
-
وتصاعد المخاوف الفنية والهندسية المرتبطة بأمان السد.
-

«الأرقام تفضح الرواية الإثيوبية»
شدد وزير الري على أن:
-
البيانات والأرقام الموثقة تكشف زيف الادعاءات الإثيوبية،
-
وأن النمط المتكرر لإدارة أديس أبابا للأنهار الدولية يقوم على افتعال الأزمات بدل حلها.
وأضاف أن محاولات فرض السيطرة على مياه النيل الأزرق ليست سوى:
«أوهام لدى أصحابها، لن تتحول إلى واقع مهما طال الزمن».
سد النهضة بلا اتفاق… «غير قانوني وغير شرعي»
في تصعيد لافت في نبرة الخطاب، أعلن سويلم بوضوح أن:
-
بناء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق ملزم مع دولتي المصب،
-
يجعله من وجهة النظر المصرية غير قانوني وغير شرعي.
وأوضح أن القاهرة:
-
حذّرت مرارًا من مخاطر سوء إدارة السد،
-
نبهت إلى خطورة تشغيله خلال فترات الجفاف الشديد أو الفيضانات،
-
طالبت مرارًا بدراسات أمان شفافة لم يتم تقديمها حتى الآن.
الأمن المائي المصري «خط أحمر»
أكد وزير الري أن:
-
الأمن المائي المصري غير قابل للمساومة،
-
وأن الدولة مستعدة للتعامل مع جميع السيناريوهات المحتملة.
وقال بلهجة حاسمة:
«لن نترك أمننا المائي رهينة لتصرفات أحادية غير مسؤولة».
وهو تصريح اعتبره مراقبون رسالة مباشرة بأن القاهرة وسّعت خياراتها الاستراتيجية، ولم تعد تحصر تحركاتها في المسار التفاوضي التقليدي فقط.
«صندوق أسود» يثير المخاوف حول أمان السد
وصف سويلم ملف أمان سد النهضة بأنه:
-
صندوق أسود مغلق،
-
يدار دون قواعد تشغيل فنية أو هندسية مستقرة،
-
في ظل غياب دراسات إنشائية معلنة.
وأكد أن الوزارة:
-
ترصد على مدار الساعة أي تغيّر أو تصرف خاطئ في تشغيل السد،
-
توثّق كل خطوة إثيوبية غير محسوبة،
-
وتضع هذه المعطيات ضمن تقييمات استراتيجية أوسع.
تحركات مصرية في القرن الأفريقي تثير قلق أديس أبابا

يرى مراقبون أن حدة الخطاب الإثيوبي الأخيرة تعكس حالة ذعر متزايدة داخل النظام الحاكم في أديس أبابا، على خلفية:
-
تحركات مصر الدبلوماسية والأمنية المتنامية في القرن الأفريقي،
-
تعزيز القاهرة لعلاقاتها مع دول مؤثرة في الإقليم،
-
ومحاولاتها بناء شبكة توازنات إقليمية تحدّ من أي تهديد لأمنها المائي.
وتتهم إثيوبيا مصر صراحة بمحاولة زعزعة استقرار القرن الأفريقي، وهو ما تعتبره القاهرة ادعاءً سياسيًا يهدف لتصدير الأزمة للخارج.
بيان إثيوبي غاضب ولغة تصعيدية
كانت وزارة الخارجية الإثيوبية قد أصدرت بيانًا شديد اللهجة:
-
اتهمت فيه مصر بـ«التمسك بعقلية استعمارية»،
-
والسعي إلى «احتكار مياه النيل» استنادًا إلى معاهدات تاريخية.
كما زعمت أديس أبابا أن:
-
التصريحات المصرية ترفض الحوار،
-
وتنطوي على تهديدات مبطنة وصريحة،
-
ولا تعكس «حقائق القرن الحادي والعشرين».
النيل الأزرق جوهر الصراع
أكد البيان الإثيوبي أن:
-
نهر أباي (النيل الأزرق) يساهم بنحو 86% من مياه النيل،
-
وأن إثيوبيا لن تطلب إذنًا من أحد لاستخدامه،
-
استنادًا إلى مبدأ «الاستخدام العادل والمعقول».
غير أن القاهرة ترد بأن هذا المبدأ:
-
لا يمكن تطبيقه بشكل أحادي،
-
ولا يبرر الإضرار بحقوق دول المصب،
-
ولا يسمح بتجاهل القوانين الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود.
أزمة ممتدة منذ 2011… ومرحلة أخطر بعد الافتتاح
تعود جذور الأزمة إلى عام 2011 مع بدء إثيوبيا بناء سد النهضة دون اتفاق ملزم.
ورغم:
-
اكتمال الملء التدريجي،
-
والافتتاح الرسمي للسد في سبتمبر 2025،
إلا أن مصر تؤكد أن:
-
الإجراءات الأحادية تهدد أمنها المائي الوجودي،
-
خاصة وأنها تعتمد على النيل بنسبة تفوق 97% من مواردها المائية.
فشل الوساطات وتصاعد المخاطر
فشلت مفاوضات متعددة:
-
برعاية الاتحاد الأفريقي،
-
والولايات المتحدة،
-
وأطراف دولية أخرى،
في ظل:
-
إصرار إثيوبيا على مفهوم السيادة المطلقة،
-
وتمسك مصر باتفاق قانوني ملزم يمنع الإضرار بحصتها التاريخية.
وزادت حدة التوتر مؤخرًا مع:
-
تقلبات مفاجئة في تصريف المياه،
-
فيضانات غير متوقعة،
-
وفترات جفاف حادة،
ما ينذر، وفق مراقبين، بدخول الأزمة مرحلة أكثر حساسية وخطورة.
صراع مفتوح على مستقبل النيل
في ضوء هذا التصعيد، تبدو أزمة سد النهضة مرشحة لمزيد من التعقيد، مع:
-
تشدد مصري واضح،
-
وارتباك إثيوبي متزايد،
-
وتداخل أبعاد الأمن المائي مع معادلات القرن الأفريقي الجيوسياسية.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تدرك أديس أبابا أن لغة التصعيد لن تحميها من تبعات إدارة أحادية للنيل، أم أن المنطقة مقبلة على فصل جديد من الصراع الإقليمي الأكثر حساسية في أفريقيا؟
















