أمريكا تبحث عن بديل.. واسم ”عصفورة” يدخل المشهد فجأة: لعبة النفوذ من فلسطين حتى هندوراس
تشهد الساحة الفلسطينية حراكًا أمريكيًا محمومًا للبحث عن بديل محتمل للرئيس محمود عباس ضمن ترتيبات ما بعد الحرب في غزة وما بعدها، برز اسم غير متوقع في القارة الأمريكية، لكنه يعكس مبدأً واحدًا في السياسة الخارجية لواشنطن: صناعة البدائل قبل لحظة الفراغ السياسي.
هذا الاسم هو نصري “تيتو” عصفورة، المرشح اليميني القوي في انتخابات هندوراس، الذي وجد نفسه فجأة في صدارة المشهد بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق – والمرشح الأقوى للعودة للبيت الأبيض – دونالد ترامب دعمه العلني والصريح له، في خطوة أربكت المشهد السياسي في أمريكا الوسطى.
وبينما تبحث واشنطن في الشرق الأوسط عن قيادة فلسطينية جديدة تُمرِّر “اليوم التالي لغزة”، تمتد يدها الأخرى نحو هندوراس لدعم شخصية من أصل فلسطيني، في مشهد يعكس الترابط الاستراتيجي بين ملفات النفوذ السياسي الأمريكية.
دعم ترامب المفاجئ: لماذا الآن؟
في منشور صريح على "تروث سوشيال"، دعا ترامب الشعب في هندوراس إلى انتخاب نصري عصفورة، واصفًا إيّاه بـ:
"الصديق الحقيقي الوحيد للحرية في هندوراس، والشخص القادر على محاربة تهريب المخدرات."
هذا الدعم لم يأتِ من فراغ، بل يعكس استراتيجية واشنطن – عبر ترامب أو غيره – في خلق حلفاء موثوقين في مناطق حساسة سياسيًا وأمنيًا، تمامًا كما يحدث في الشرق الأوسط في ملف البحث عن بديل لعباس.
من هو نصري عصفورة؟ مرشح واشنطن المفضل الجديد
ينتمي عصفورة إلى عائلة فلسطينية الأصل، من مواليد 1958 في تيغوسيغالبا. ورغم أنه لم يكمل دراسة الهندسة، إلا أنه شق مسيرة سياسية صاعدة جعلته:
-
عمدة العاصمة تيغوسيغالبا لولايتين (2013 و2017)
-
وزيرًا للاستثمار الاجتماعي
-
نائبًا في الكونغرس
-
شخصية ذات حضور شعبي بفضل مشروعات البنية التحتية التي نفذها
ولقب خلال فترة عمله بـ "بابي.. في خدمتك" نتيجة شخصيته العملية وظهوره الدائم بالجينز والأكمام المرفوعة.
لكن اسمه لا يخلو من الجدل، إذ يخضع للتحقيق في قضايا تتعلق باختلاس الأموال العامة وغسل الأموال، وهي تهم ينفيها تمامًا ويصفها بأنها ملاحقات سياسية تستهدف إسقاطه انتخابيًا.
الصورة المتواضعة.. والاتهامات الثقيلة
ورغم ظهوره المتواضع، إلا أن خصومه يصفونه بأنه “رجل الحزب الوطني الثقيل”، الحزب الذي تورط بعض قادته في قضايا الاتجار بالمخدرات، وعلى رأسهم الرئيس السابق خوان أورلاندو هيرنانديز الذي يقضي حكمًا في الولايات المتحدة.
لكن ترامب رأى في عصفورة “البديل المناسب”، تمامًا كما تبحث واشنطن عن “الشخصية المناسبة” في الملف الفلسطيني.

سباق انتخابي مشتعل.. والصوت الأمريكي حاضر بقوة
تُظهر استطلاعات الرأي تقاربًا كبيرًا بين عصفورة ومنافسيه:
-
ريكسي مونكادا (مرشح الحزب الحاكم اليساري)
-
سلفادور نصر الله (إعلامي معروف ينتمي للحزب الليبرالي الوسطي)
ويتهم ترامب مونكادا بأنه "شيوعي"، بينما يرى أن نصر الله "على حافة الشيوعية"، وهي لغة تذكّر بخطاب الحرب الباردة.
مقارنة لافتة: بين فلسطين وهندوراس
يتزامن هذا المشهد مع حراك أمريكي مستمر داخل السلطة الفلسطينية، حيث تبحث واشنطن – بكل وضوح – عن:
-
شخصية “أكثر انسجامًا” مع خطة إعادة ترتيب غزة
-
شخصية “مرنة” في التعامل مع إسرائيل
-
قيادة “مقبولة دوليًا” ومُتفق عليها عربيًا وأمريكيًا
وتمامًا كما تمارس واشنطن ضغوطًا لإزاحة أو تحييد قيادات فلسطينية، يبدو أنها تبحث عن نموذج مشابه في هندوراس عبر دعم عصفورة ضد حكومة تميل إلى اليسار وتقترب من كوبا وفنزويلا، وهما الدولتان اللتان يشكلان صداعًا مزمنًا لسياسة ترامب الخارجية.
ترامب يهاجم اليسار في هندوراس كما هاجم عباس سابقًا
هاجم ترامب الرئيسة الحالية شيومارا كاسترو بسبب علاقاتها مع فنزويلا وكوبا، تمامًا كما سبق أن اتهم محمود عباس بـ"عدم الرغبة في صنع السلام"، وهدده بوقف التمويل عن السلطة الفلسطينية في 2018.
بهذا المعنى، يتعامل ترامب مع هندوراس بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع الشرق الأوسط: من ليس معنا فهو ضدنا.
من يحكم هندوراس سيحدد مستقبل المنطقة حتى 2030
مهما كان الفائز يوم الأحد، فسيدير البلاد بين 2026 و2030، وهي فترة حساسة جيوسياسيًا، مع تصاعد الهجرة نحو الولايات المتحدة وتنامي نفوذ كارتلات المخدرات.
بالنسبة لترامب، الفوز بعصفورة يعني:
-
استعادة السيطرة السياسية على هندوراس
-
تحجيم نفوذ اليسار اللاتيني
-
تعزيز التحالف مع شخصية تنتمي لأصل فلسطيني، في لحظة تبحث فيها واشنطن عن “من يعيد ترتيب البيت الفلسطيني”




