رحيل شيخ القراء في المسجد النبوي.. الشيخ بشير أحمد صديق عن عمر ناهز 90 عامًا

بقلوب يعتصرها الحزن والإيمان بقضاء الله وقدره، ودّع العالم الإسلامي اليوم الخميس الشيخ بشير أحمد صديق، شيخ القراء في المسجد النبوي الشريف، الذي ارتقى إلى جوار ربه عن عمر ناهز التسعين عامًا، بعد مسيرة حافلة بخدمة القرآن وتعليم القراءات، ليغيب واحد من أعظم أعلام الأمة في علم الإقراء وضبط السند.
البدايات.. من الهند إلى طيبة الطيبة
وُلد الشيخ بشير أحمد صديق في الهند، حيث نشأ في أسرة محبة للقرآن والعلم الشرعي. منذ صغره ظهرت عليه علامات النبوغ وحب التلاوة، فكرّس حياته لحفظ كتاب الله وتعلّم علومه. ومع شغفه بالقرآن وعلومه، قرر في شبابه أن يترك بلده ويشد الرحال إلى المدينة المنورة، حيث استقر بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينطلق في مسيرة علمية وروحية تركت بصمة لا تُمحى.
شيخ الإقراء وضبط السند
لم يكن الشيخ بشير مجرد معلّم للقرآن، بل كان مدرسة قائمة بذاتها. فقد تميز بدقة نادرة في تعليم الروايات وضبط الأسانيد، حتى صار مرجعًا موثوقًا في علم القراءات، يقصده طلاب العلم من أنحاء العالم الإسلامي.
ومن أبرز تلاميذه:
-
الشيخ محمد أيوب: الذي تولى الإمامة في المسجد النبوي وأبهر المسلمين بصوته الخاشع.
-
الشيخ علي جابر: الذي ارتبط اسمه بالحرم المكي وأصبح من رموز التلاوة في القرن العشرين.
بهؤلاء وغيرهم من مئات القراء الذين تخرجوا على يديه، امتد أثر الشيخ إلى قلوب ملايين المسلمين الذين استمعوا إلى أصواتهم في صلاة التراويح والمحافل القرآنية.
وفاته ومشهد التشييع المهيب
أُعلن عن وفاة الشيخ فجر الخميس، لتعم مشاعر الحزن الأوساط العلمية والدينية داخل السعودية وخارجها. وأُديت صلاة الجنازة عليه بعد صلاة الفجر في المسجد النبوي الشريف، حيث شيّعه جمع غفير من العلماء وطلبة العلم ومحبيه. وكان مشهد التشييع مهيبًا، يعكس مكانته في قلوب الناس، فقد اجتمع المئات يرفعون أكف الدعاء له، ودموعهم تختلط بالخشوع، مودعين رجلًا عاش حياته في خدمة كتاب الله.
إرث خالد وبصمة لا تُنسى
رحيل الشيخ بشير أحمد صديق لا يعني غياب علمه، فقد ترك خلفه إرثًا عظيمًا من طلاب العلم الذين سيحملون الراية من بعده. فكل قارئ تعلم على يديه سيظل شاهدًا على عطائه، وكل سند قرآني متصل به سيبقى ذكرى حية تُخلد اسمه عبر الأجيال.
لقد كان الشيخ مثالًا للعالم العامل، وعلَمًا من أعلام الأمة الذين جمعوا بين الإتقان في التعليم والتواضع في السلوك، وبين الصرامة في ضبط العلم واللين في معاملة طلابه.
وداعًا شيخ القراء
برحيل الشيخ بشير أحمد صديق، يفقد المسجد النبوي وأهله، بل والعالم الإسلامي كله، أحد أعلام القرآن العظيم. لكن عزاء الأمة أن صوته وأثره سيبقيان ما بقي القرآن يُتلى، وأن تلاميذه وأسانيده سيخلدون ذكراه على مرّ العصور.